إن قصة بدء الخلق وقصة آدم وحواء بالتحديد التي
وردت في القرآن الكريم في أكثر من موضع ، ذكرها الله تعالى في سورة البقرة
وفي أول سورة الأعراف وفي سورة الحجر وفي سورة الإسراء والكهف وسورة ص ، وما
في هذه الآيات من أحداث ترشدنا إلى خلفية عداوة الشيطان لبني الإنسان ،
وتحذرنا من مكائده وغاياته ومقاصده ، وهذا كله بفضل الله سبحانه ورعايته
لعباده المؤمنين . فالواجب على العاقل ان يأخذ حذره من هذا العدو الذي قد
أبان عدواته منذ زمن آدم عليه السلام ، وقد بذل عمره ونفسه في فساد أحوال بني
آدم ، وإيقاع العداوة والبغضاء بينهم ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين
بالحذر منه ، بل كان الحذر لكل بني آدم فقال تعالى "ألم أعهد إليكم يا بني
آدم ألا تعبدوا الشيطان أنه لكم عدو مبين " وقال تعالى :" لا تتبعوا
خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء "
وقال تعالى : " ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً " النساء ، "
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم
عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون " المائدة 91.
وقال تعالى: " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا
من اصحاب السعير " فاطر7 ولماذا كلّ هذه العداوة لأولاد آدم ؟
لأن الشيطان قد طرد بسببه من رحمة الله ، ومن مرتبته التي كان عليها بين
الملائكة ، وخروجه من الملأ الأعلى فقد خسر كل شيء مقابل تعنته واستكباره عن
السجود لآدم كما جاء في قول الله تعالى : " قال اخرج منها مذءوما مدحورا "
وقال تعالى مخاطبا إبليس :" اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها "
الأعراف
وفي هذه الآيات التي سنستعرضها غايات ومقاصد وأمنيات الشيطان لابن آدم ،
فبعد أن أمهله الله الى يوم يبعثون توعّد بإفساد ذرية آدم بشتى أنواع الطرق
والوسائل ، ولإبعادها عن عقيدة التوحيد ليدخلها معه إلى جهنم مصيره المحتوم .
قال تعالى في سورة الحجر
: " لقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون
والجان خلقناه من قبل من نار السموم وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من
صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد
الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين قال لم اكن لأسجد
لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة
إلى يوم الدين . قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم
الوقت المعلوم قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا
عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم أن عبادي ليس لك عليهم سلطان
إلا من إتبعك من الغاوين وأن جهنم لموعدهم أجمعين " الحجر 43"
قال تعالى:]
وإذ قلنا للملائكة إسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناً
قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنَّ ذريته
إلا قليلاً قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءً موفوراً واستفزز
من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد
وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك
وكيلاً
[
الاسراء 61
وجاء في الآية الكريمة :]
قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآيتنهم من بين أيديهم ومن
خلفهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين
[
(الأعراف 16 )
قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ، يخبر تعالى أنه لما أنظر إبليس
إلى يوم يبعثون واستوثق إبليس بذلك أخذ في المعاندة والتمرد فقال فبما
أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم أي كما أضللتني وأهلكتني لأقعدن لعبادك
الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه على صراطك المستقيم أي طريق
الحق وسبيل النجاة "ولأضلَّنهم عنها " لئلاّ يعبدونك ويوحدونك ، ثم لآتينهم
من بين أيديهم ومن خلفهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين (17
الأعراف )
كيف فسر سيدنا إبن عباس هذه الآية قال إبن عباس في قوله لآتينَّهم من بين
أيديهم ، أشكِّكهم في آخرتهم ،" ومن خلفهم " أرغبهم في دنياهم ، " وعن
أيمانهم " أشَبِّه عليهم أمر دينهم وعن شمائلهم أشهّى لهم المعاصي .
�
وروى قتادة في تفسير هذه الآية قال : " أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا
بعث ولا جنة ولا نار ، ومن خلفهم من أمر الدنيا بطَّأهم عنها ، وعن شمائلهم
زيَّن لهم السيّئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها ، ولم يقل من فوقهم لأن
الرحمة تنزل من فوقهم فلم يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة الله .
وهنا أريد أن أبشِّر الإخوة المستمعين ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم ، بأن
كل هذه التهديدات لا تثني المؤمن عن مواصلة العبادة والجهاد . وفي مسند
الإمام أحمد قال : حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا أبو عقيل يعني الثقفي عبد الله
بن عقيل حدثنا موسى بن المسيب أخبرني سالم بن أبي الجعد عن سبره عن أبي
الفاكهة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أن الشيطان قعد
لإبن آدم بطرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال : أتسلم وتذر دينك ودين أبائك
قال فعصاه وأسلم قال : قعد له بطريق الهجرة فقال أتهاجر وتدع أرضك وسماؤك
وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول فعصاه وهاجرثم قعد له بطريق الجهاد وهو
جهاد النفس والمال فقال تقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال قال فعصاه
وجاهد ثم قال عليه الصلاة والسلام فمن فعل ذلك منهم فمات كان على الله أن
يدخله الجنة " وقول إبليس بإضلال ذرية آدم وإفساد عقيدتهم ، إنما هو
ظنّ منه وتوهّم ، كما جاء في قوله تعالى :
]
ولقد صدّق إبليس عليهم ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين وما كان له عليهم
من سلطان إلا ليعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ
[
. ولهذا ورد في الحديث الاستعاذة من تسلّط الشيطان على الإنسان من جهاته كلها
، كما قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده عن إبن عباس قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسام يدعو : اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي
وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي ، وإحفظني من بين يدي ومن خلفي ،
وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي وأعوذ بك اللهم أن أُغتال من تحتي " تفرد به
البزّار وحسَّنه ، وقال الامام احمد بمثله وقال الحاكم صحيح الاسناد .
ونعود الآن وبعد أن توقفنا مع محطة صغيرة حول بشارة النبي صلى الله عليه
وسلم ورعاية الله سبحانه وتعالى لنا ، لنتكلم عن تهديد من نوع آخر لبني
الإنسان
كما جاء في الآية :" أأسجد لمن خلقت طيناً " إلى قوله تعالى قال
أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن اخرتن الى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا
"62
ذكر إبن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآية قال : أقسم عدو الله فقال لربه لئن
أخرت إهلاكي إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا ، يقول لأستولينَّ
عليهم ولأستاصلنَّهم ، ولأستميلنَّهم والإستيلاء والإحتواء واحد فإذا استولى
عليهم فقد أضلَّهم . ولننتقل معاً لنوع آخر من أساليب ومكائد الشيطان التي
طاولت الكثير من الناس في هذا الزمان وانتشر في بلاد الغرب خاصة ، وهو تغيير
الخلقة ، فأصبح الرجل يسعى لأن يكون امرأة وأصبحت المرأة تسعى لأن تكون رجلاً
، او الى ما هنالك من أشكال التغير التي يحدثونها في أبدانهم فلنستمع الى قول
الله تعالى وما وردفي هذه الايات من وصف لخطط الشيطان قد أعدَّها لإغواء
وإضلال البشر ، قال تعالى :
]
ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل
ضلالا بعيداً إن يدعون من دونه الا إناثا وإن يدعون إلا شيطاناً مريدا لعنه
الله وقال لاتخذنَّ من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولامنِّينهم ولآمرنَّهم
فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من
دون الله فقد خسر خسرانا مبينا
[
النساء 119 " يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا اولئك مأواهم
جهنم ولا يجدون عنها محيصا " ، اما قوله " ولأضلنّهم ولامنينَّهم "
أي لأضلنّهم عن الحقّ مثل قوله تعالى " فبعزتك لأغوينهم أجمعين ولأمنينهم
" اي لأزينّن لهم ترك التوبة ، وأعدهم الأماني وآمرهم بالتسويف والتأخير
، قال ابن عباس يريد تعويق التوبة وتاخيرها قال تعالى وسارعوا الى مغفرة من
ربكم وجنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين وفي الأثر عجّلوا بالتوبة قبل
الموت وعجلوا بالصلاة قبل الفوت اما قوله " ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام "
البتك " هو القطع قال قتادة والسدي وغيرهما يعني تشقيقها وجعلها سمة وعلامة
للبحيرة والسائبة والوصيلة .
وهذه العادات كانت في الجاهلية قبل الإسلام فأما البحيرة فهي التي يجدعون
آذانها فلا تنتفع المرأة ولا الأولاد ولا أحد من أهل البيت بصوفها ولا
أوبارها ولا أشعارها ولا ألبانها وأما السائبة فهي التي يسيبون لآلهتهم
المزعومة ويذهبون إلى آلهتهم فيسيبونها وأما الوصلية فالشاه تلد ستة أبطن
فإذا ولدت السابع جدعت
وقطع قرنها فيقولون قد وصلت فلا يذبحونها ولا تضرب ولا تمنع مهما وردت على
حوض هكذا ورد تفسير ذلك مدرجاً في الحديث .
قال الله تعالى ناهياً عن النذور الكاذبة التي ما أنزل الله بها من سلطان "
ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون
على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أن أول من سيَّب السوائب وعبد الأصنام
أبو خزاعة عمرو بن عامر وإني رأيته يجرّ أمعاءه في النار". رواه أحمد .
ومن ههنا كره جمهور أهل العلم تثقيب أذني الطفل للحلَق ، ورخص بعضهم في ذلك
للأنثى دون الذكر لحاجتها للحلية واحتجوا بحديث أم زرع وفيه "أناس من
حُلىِّ أذنيّ " ونص أحمد رحمه الله على جواز ذلك في حق البنت وكراهته في
حق الصبي . وأما قوله : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " قال ابن عباس " يريد
دين الله " وهو قول إبراهيم ومجاهد والضحاك والحسن وقتاده والسدي وسعيد بن
المسيب وسعيد بن جبير . ومعنى ذلك هو أن الله تعالى فطر عباده على الفطرة
المستقيمة وهي ملة الإسلام كما قال تعالى " فاقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله
التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا
يعلمون "الروم 30"
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة فابواه
يهودانه او ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء فهل تحسون (هل
تجدون ) فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها ؟ ثم قرأ أبو هريرة "فطرت
الله التي فطر الناس عليها " متفق عليها .
فجمع عليه الصلاة والسلام بين الأمرين تغيير الفطرة بالتهويد والتنصير وتغيير
الخلقة بالجدع وهما الأمران اللذان أخبر إبليس انه لا بد أن يغيرهما فغير
فطرة الله بالكفر ، وهو تغير الخلقة التي خلقوا عليها وغير الصورة بالجدع
والبتك فهذا تغير خلقة الروح وهذا تغير خلقة الصورة . { إغاثة اللهفان صـ180
}
أما اليوم فقد رأينا الكثير من الناس وخاصة في بلاد الغرب قد عملوا على تغيير
خلقتهم فمنهم من قام بتغيير جنسه من ذكر إلى أنثى ومنهم من قام بتغيير جنسه
من أنثى إلى لا ذكورة ولا أنوثة كما حصل مؤخراً في بعض بلاد الغرب منها
إنكلترا فالأمر أصبح أكثر خطورة وقد تعدى جدع وبتك آذان الأنعام
فكيف يقوم هؤلاء بهذا التغيير الشنيع وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
من يفعل أقل من ذلك فقال لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات
والمتنمّصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عز وجل وقد كثر في زماننا
الوشم وأصبح له أشكالاً وصوراً عديدة وأما النامصات وهي التي تحلق أو تنتف
الحاجب ثم ترسمه بقلم الكحل بعد ذلك .
وقد نرى أنواعاً اخرى من تغيير الخلقة في المستقبل ، وكل هذه الأنواع تقاس
على هذه الآية الكريمة "ولآمرنَّهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن
خلق الله " وما ورد في الأحاديث في هذا الموضوع . وأستثي من ذلك بعض
عمليات التجميل التي يقوم مبدئوها على دفع الضرر والأذى ومن مبدأ العلاج الذي
لا بد منه لا من باب الكماليات والإسستنساب والتغير لأجل التغيير فقط .