][][ باب في الإيمان بالنزول ][][
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين وصل اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فهذا الباب السابع من أبواب الكتاب وهو الإيمان بالنزول ، والنزول صفة من صفات الله تعالى كباقي صفاته لا يماثله فيه أحد من خلقه ، نؤمن بها ولا نكيفها ، والنزول من الصفات المتواترة التي ثبتت في الأحاديث المتواترة وهو من حديث أبي هريرة : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إِلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فهذا من الأحاديث المتواترة ، التي رواها أصحاب السنن وأصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع ، فهو من الأحاديث المتواترة .
والأحاديث المتواترة تفيد العلم ، والنزول صفة من الصفات الفعلية ، يفعلها سبحانه كيف يشاء ، ولا تنافي صفة العلو ، الله تعالى له العلو المطلق بأنواعه الثلاثة ، علو الذات ذاته علية عن المخلوقات ، وعلو القدر وعلو الشأن والعظمة ، وعلو القهر والسلطان ، فهو علي بذاته فوق المخلوقات - سبحانه وتعالى - والعلو من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الباري فلا يكون - سبحانه وتعالى - قط إلا عاليا ، وأما النزول فهو الصفة الفعلية فهو فعل يفعله سبحانه كما يشاء ، وأهل السنة يؤمنون بنزول الله سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، والأحاديث والنصوص في هذا كثيرة ، قد بينها أهل العلم ونقلوها ، من ذلك الإمام الدارمي - رحمه الله - في رده على الجهمية ذكر جملة من الأدلة الدالة على نزول الرب جل جلاله ثم قال : فهذه الأحاديث جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن .
وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا لا ينكرها منهم أحد ، ولا يمتنع من روايتها حتى ظهرت هذه العصابة-يعني المبتدعة - فعارضت آثار رسول الله- صلى الله عليه وسلم - برد وتشمروا لدفعها بجد ، فقالوا كيف نزوله هذا ؟ قلنا : لم نكلف معرفة كيفية نزوله في ديننا ولا تعقله قلوبنا وليس كمثله شيء من خلقه ، فنشبه منه فعلا أو صفة بفعالهم وصفاتهم ، ثم قال الإمام الدارمي- رحمه الله- وليس قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في نزوله بأعجب من قول الله تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وقوله سبحانه : وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا فكما يقدر على ذلك يقدر على ذاك ، يعني أن الله - سبحانه وتعالى- يقدر أن يأتي في ظلل من الغمام ، كذلك يستطيع أن ينزل كما شاء.
ثم قال - رحمه الله - فهذا الناطق في قول الله - عز وجل - وذاك المحفوظ في قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بأخبار ليس عليها غبار فإن كنتم من عباد الله المؤمنين لزمكم الإيمان بها ، كما آمن بها المؤمنون ، وإلا فصرحوا بما تؤمنون ودعوا هذه الغلطات التي تلوون بها ألسنتكم فإن كان أهل الجهل في شك من أمركم ، إن أهل العلم من أمركم لعلى يقين .
وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أئمة الحديث : " إن مما يعتقدونه أن الله-عز وجل - ينزل إلى السماء الدنيا ، على ما صح به الخبر يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " بلا اعتقاد كيف فيه ".
وقال الإمام الآجري في الشريعة بعد أن عقد بابا في الإيمان والتصديق بأن الله - عز وجل - ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة قال : " والإيمان بهذا واجب ، وليس على المسلم العاقل أن يقول كيف ينزل، ولا يرد هذا إلا المعتزلة ، وأما أهل الحق فيقولون الإيمان به واجب بلا كيف ، لأن الأخبار قد صحت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله - عز وجل - ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ، والذين نقلوا إلينا هذه الأخبار هم الذين نقلوا إلينا الأحكام من الحلال والحرام وعلم الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ، وكما قبل العلماء وقبلوا منهم ذلك كذلك قبلوا منهم هذه السنن ، قال : ومن ردها فهو ضال خبيث ، يحذرونه ويحذرون منه.
فالنزول التي يؤمن بها أهل السنة والجماعة ، ولا يكيفونها ، وأهل البدع استنكروا هذه الصفة واستوحشوا منها ، وقالوا كيف ينزل الذي ينزل يتحرك ، والرب لا يتحرك ، وهذا لا يليق بالله - عز وجل - وهذا إنما يكون بالأجسام ، ولذلك تأوّلوا النزول : ينزل يعني ينزل أمره ، قال بعضهم : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا قالوا يعني ينزل أمره ، وقال بعضهم ينزل الملك ، كل هذا من جهلهم وضلالهم ، النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع أن يقول ينزل أمره ، لا يستطيع أن يقول ينزل الملك ، ثم الملك هل يقول : من يدعوني فأستجيب له هل الملك يمكن أن يقول هذا الكلام ، من يدعوني فأستجيب له ومن يستغفرني فأغفر له لا يقول هذا إلا الله - سبحانه وتعالى - ذلك الكلام من جهلهم وضلالهم ، وأهل السنة والجماعة وفقهم الله إلى الحق قالوا ينزل بلا كيف لا نعلم ينزل فهو - سبحانه وتعالى - فوق العرش الله يعلم كيفية النزول .
كذلك أيضا أشكل على بعضهم قالوا : كيف ينزل إذا بقي ثلث الليل الآخر ؟ فثلث الليل مختلف في البلاد ، فثلث الليل عندنا الآن وبعد مثلا ساعة يكون ثلث الليل في مكان آخر وبعد ساعة يكون ثلث الليل في مكان آخر ، فلا يزال الرب ينزل ! لأن ثلث الليل يختلف ، إذا انتهى ثلث الليل من جهة ، جاء ثلث الليل من جهة أخرى ، ونحن الآن في الليل ويوجد أناس عندهم نهار ، كيف ينزل ؟ هذا من جهلهم وضلالهم .
نقول هذا الإشكال إنما جاء من كونهم أولوا صفات الله شبهوا الله بخلقه هذا الإشكال لا يرد ، الله - سبحانه وتعالى - ينزل بلا كيف ، وأنت إن كنت في أي مكان في أرض الله وجاء ثلث الليل الآخر فاعلم أن هذا وقت النزول ، وهو وقت التنزل الإلهي في أي مكان ولست مكلفا بهذه التكليفات ، الله يعلم ينزل كما يشاء - سبحانه وتعالى - لا أحد يحذر عليه ولا أحد يكيفه نزوله.
قال المؤلف : وحدثني سعيد بن فحلون ، عن العكي ، عن ابن بكير ، قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - الله تعالى عنه أن رسول الل ه- صلى الله عليه وسلم- قال : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إِلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له . وفي لفظ حتى يطلع الفجر .
قل ينزل ربنا صريح الذي ينزل هو الله- سبحانه وتعالى- وهذا الحديث حديث صحيح أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم-رحمهما الله- أخرجه البخاري في الصحيح، وأخرجه مسلم أيضا في الصحيح من طريق مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فهو من الأحاديث المتواترة، وهذا وقت التنزل الإلهي وهو أفضل وقت الليل وفيه ساعة الاستجابة.
وجاء في الحديث الآخر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: أفضل الصلاة صلاة داود ، وأفضل الصيام صيام داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه فكان قيام داود- عليه الصلاة والسلام- يعني يقوم السدس الرابع والخامس، ثلاث أثلاث النصف الأول ينام ، ثم يقوم الثلث الرابع والخامس ، ثم ينام الثلث الأخير، ليستعين به على حوائج النهار لأنه كان حاكما كان يحكم بين الناس، كان نبيا وكان حاكما يستعين به على أعمال النهار.
والنبي- صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث لليل الآخر وهو ثلث الليل الآخر الثلث الرابع والخامس والسادس ، فإذا جمعت بين الحديثين تبين لك أن النصف الأخير بأثلاثه الثلاثة كله وقت فاضل ، السدس الرابع والخامس هذا وقت قيام داود ، والثلث السادس والخامس هذا ثلث الليل الآخر فيكون الثلث الأخير وقت فاضل .
وكما ثبت في الصحيحين كان النبي- صلى الله عليه وسلم - كان ينام إذا صلى العشاء آوى إلى فراشه ، فإذا انتصف الليل أو قبله بقليل قام يصلي انظر الآن نحن الآن نصف الليل وثلث الليل ما نمنا الآن ، في القهاوي وفي الأماكن ما ننام فإذا جاء وقت نزول الله نمنا ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى العشاء آوى على فراشه ، فإذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل قام يصلي ونحن نصف الليل على الآن ما نمنا ، بعض الناس عندنا لا يأتون إلا نصف الليل في بعض العزائم، تغيرت الأحوال، كان الناس عندهم رغبة إلى الآخرة، فكان السلف هكذا.
المقصود أن الأحاديث متواترة ، وفي إثبات النزول ، وأن الله تعالى ينزل كما يليق بجلاله وعظمته ، فالنزول من الصفات الفعلية ، يجب الإيمان بها خلافا للمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من أهل البدع الذين تأولوا النزول وقالوا المراد به نزول الرب نزول أمره أو نزول ملك ، وهذا من جهلهم وضلالهم ، وتحريفهم للنصوص ، فهدى الله أهل السنة والجماعة فأثبتوا النزول لله كما يليق بجلاله وعظمته نعم .
م/ن
جامع اهل السنة.
المكتبة الإلكترونية
أصول السنة
شرح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
باب في الإيمان بالنزول
هذا والله أعلم .